ترجمة للمؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات الذي أنعقد في جامعة كولومبيا يومي 18- 19 يناير 2005، كحلقة في سلسلة من الملتقيات السنوية لتكوين شبكة عمل دولية للجامعات. وقد حضر المؤتمر أكثر من 40 من رؤساء وأساتذة الجامعات.

وقد ركز المؤتمر على قضيتين أساسيتين هما الهجرة الدولية كعامل أساسى من عوامل العولمة، والحرية الأكاديمية كدعامة أساسية لأى جامعة، واجتمع المشاركون فى جلسات متزامنة لمناقشة كلا القضيتين قبل اجتماعهم مرة أخرى فى جلسات عامة برئاسة كوفى عنان.

وتهدف المؤسسة من ترجمة هذه الوثيقة التعرف على ما تم الاتفاق عليه فى هذا المؤتمر من خلق شبكة من رؤساء الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، لتجتمع بشكل دوري ومنتظم بغرض مناقشة أهم القضايا التي تواجه المجتمع الدولي.

ونتج عن هذا المؤتمر إعلان الحرية الأكاديمية في 26 مايو 2005 وقد تضمن الإعلان الغرض من الجامعات، ومبادئ الجامعة، معني وتعريف وأهمية الحرية الأكاديمية، وحق الأساتذة والطلاب، ومسئوليات الأكاديميين، وحقوق الجامعات.

  1. I. مجال الحرية الأكاديمية

الغرض من الجامعات

يدرك المجتمع الدولي الدور الهام الذي تلعبه الجامعات ومؤسسات البحث والتعليم العالي في المجتمع. لذلك فمن المتوقع حقا من كافة الدول توفير التعليم العالي كإنجاز لالتزاماتها بموجب المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والمادة 13 فقرة 2 (ج) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966).

تعتمد المجتمعات الحديثة في الوقت الراهن على الجامعات التي أضحت تتحمل مسئوليات أعظم مما تحملته في أى وقت مضى.

فيناط بالجامعات مسئولية حفظ معارف الماضي ونقلها للجيل التالي، وتعليم مواطني ومدرسي وقادة المستقبل، وتربية السعي وراء اكتشاف معارف جديدة التي من شأنها إما أن تدعم أو أن تدحض ما هو موجود بالفعل من أفكار ومعايير. وهذا كله بغرض تعميق الفهم الإنساني وتحسين حالة البشرية.

كذلك فإن الجامعة تقوم بوظيفة المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية، ودعم الاختراع التكنولوجي والعلمي، وحفز الإبداع في الفنون والآداب، ومخاطبة القضايا العالمية الطارئة مثل الفقر، والمرض، والصراع السياسي العرقي والتدهور البيئي.

مبادئ الجامعة

في المؤتمر الدولي الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" عام 1950 بمدينة نيس، أعلنت جامعات العالم عن ثلاثة مبادئ رئيسية على جامعات العالم أجمع الالتزام بها وهي:

- الحق في السعى للمعرفة من أجل المعرفة والوصول في البحث عن الحقيقة حيثما يؤدي هذا البحث.

- التسامح مع الاختلاف في الآراء وتحريره من التدخل السياسي.

- الالتزام كمؤسسة اجتماعية، عن طريق التعليم والبحث، بتعزيز مبادئ الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والتضامن الإنساني ووجوب تطوير مادة متبادلة ومساعدة معنوية على المستوى الدولي.

وتدل تلك المبادئ على الدور المركزي الذي يلعبه البحث والتعليم الجامعي في التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات. وتنطبق المبادئ على كافة الجامعات سواء الحكومية أو التي تشرف عليها الحكومات أو المؤسسات الخاصة.

II معني الحرية الأكاديمية

إرساء الحرية الأكاديمية

إن المبادئ التي تقوم عليها وتلتزم بها الجامعات والأنشطة الأكاديمية معترف بها على نطاق واسع. وهى محددة معنويا وقانونيا وسياسيا بالقيم التي يمثلها دور العلماء في كافة العلوم الأكاديمية (بما يشمل العلوم الإنسانية والطبيعية والبيولوجية والاجتماعية، والفنون، والهندسة، والقانون والطب، الخ) كأساتذة، وكذلك الجامعات التي يعملون بها دارسين ومعلمين؛ فهم بمثابة مؤسسات اجتماعية هامة منوط بها تمكين ودعم وحماية الأنشطة المهنية للعلماء.

تتطلب أنشطة حفظ المعارف والسعى نحوها ونشرها وخلقها وفهمها مجتمعات تؤمن باحترام استقلال الجامعات والعلماء الذين يبحثون ويدرسون في تلك الجامعات، وكذلك باحترام الطلاب الذين يأتون إليهم بغرض الإعداد لمستقبلهم كمواطنين يحملون المعارف وقادة متمكنين. إن استقلال الجامعات هو الضامن الأساسي للحرية الأكاديمية في أداء العلماء لوجباتهم التعليمية.

ولذلك فإن الحرية الأكاديمية تتميز عن – كما أنها ليست مجرد امتداد لـ – حرية الفكر والرأى والتجمع والتنظيم المعترف بهم لجميع الأشخاص بموجب المواد 18 و19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية الأخرى.

تعريف الحرية الأكاديمية

أبسط ما يمكن به تعريف الحرية الأكاديمية بأنها حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الالتزام بمعايير وقواعد البحث العلمي دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم.

أهمية الحرية الأكاديمية

ترتبط قيمة الحرية الأكاديمية ارتباطا وثيقا بالأغراض والمهام الأساسية للجامعة الحديثة. ولم يثبت للدور الممتد الذي تلعبه الجامعات في عصر المعلومات إلا تزايد أهميته. حيث أوجب ظهور معارف الاقتصاد العالمي، وتيار المعلومات والأفكار العالمي الفريد من نوعه، وكذا الأعداد المتزايدة من الديمقراطيات الصغيرة، مراجعة متواصلة لطبيعة وأهمية الحرية الأكاديمية وكذا تأكيدا مستمرا عليهما. وبالفعل، يظل الدفاع عن الحرية الأكاديمية في جميع أنحاء العالم في قلب المعارك السياسية والاقتصادية المستمرة من أجل التأكيد على دور الجامعات واستقلالها.

وتعود الحرية الأكاديمية بفائدة على المجتمع بطريقة مباشرة وغير مباشرة، أما بخصوص الطريقة المباشرة والتي غالبا ما تعود بفائدة فورية فتتحقق من خلال المعرفة التطبيقية وتأثيراتها ومنافعها، وتدريب الأساتذة ذوى المهارات، وتعليم قادة ومواطني المستقبل. وأما الطريقة غير المباشرة والتي غالبا ما تتحقق فوائدها على المدى الطويل فمن خلال خلق المعرفة والفهم وحفظهما ونقلهما، دونما اعتبارات للتطبيق الفوري.

لهذا فإن للحرية الأكاديمية قيمة طبيعية وقيمة عملية. والأهم من هذا كله، فإن الحرية الأكاديمية ومن خلال تيسيرها للتفكير الحر وتسهيلها لإقامة الحوارات المفتوحة توفر وجودا متواصلا للقيم الفكرية والاجتماعية للجامعة كحرم للجدل الحر والتبادل غير المحدود للأفكار. ومن ثم فإن الحرية الأكاديمية تمكن الجامعات من تربية مواطنين قادرين على التطور والحفاظ على عالم حر ومجتمعات متفتحة.

III. ممارسة الحرية الأكاديمية

تنطبق الحرية الأكاديمية على تلك الأنشطة التي يقوم بها لا من هيئات التدريس والطلاب التي ترتبط ارتباطا وثيقا بأغراض الجامعات التعليمية والعلمية والبحثية أو تؤثر فيهم.

لذا فإنها لا تنطبق على جميع الأنشطة، ولا تتسم بانعدام المحاسبية، حيث يمكن بذلك للحرية الأكاديمية أن تضحى عقيمة وغير منتجة. إن "الحرية" في "الحرية الأكاديمية" محددة ومشترطة بما يمكن أن يعد بموضوعية "أكاديمي". وعلى المستوى العملي، ويعني هذا عمليا قدرة أفضل للجامعات على قياس حدود الحرية الأكاديمية ومن ثم وجوب تحملها مسئولية درجة معقولة من الرقابة الذاتية. وعلى كل الفاعلين الأفراد، والهيئات التنظيمية والتجمعات العامة من العاملين في سياق الجامعة استخدام حريتهم ليس فقط من أجل دعم الأغراض والخدمات التعليمية والبحثية للجامعة، بل أيضا للمساهمة على نحو إيجابي في خلق مناخ من الحرية الأكاديمية، للدفاع عن امتيازتها وتأدية التزاماتها.

ومثل الامتيازات التعليمية الأخرى، للحرية الأكاديمية وجه الحق المعترف به للجامعات والعلماء كأفراد والطلاب، وكذلك وجه المسئوليات التي تقع على عاتقهم.

حق الأساتذة والطلاب

للحرية الأكاديمية أهمية مركزية لإرساء القيم وتحقيق الأغراض المنوطة بها الجامعات، والتي يجب بدورها حماية حرية الاستفسار والبحث، واللذان دونهما لا يتمكن أعضاء هيئة التدريس ولا الطلبة من الازدهار وتحقيق الأغراض التي من أجل خدمتها أسست الحرية الأكاديمية. وللأساتذة والطلاب أن يكونوا قادرين على الدراسة والتعلم والنقاش والتدريس والبحث والنشر دون تخوفات من العواقب أو الترهيب، وأن يأمنوا من التدخل السياسي، في مناخ من التسامح مع الآراء المخالفة والتعاطي معها. وللأساتذة حرية مناقشة موادهم البحثية داخل قاعات الدرس، وكذلك عند التحدث أو الكتابة خارج قاعات الدرس، للأستاذ أن يكون حرا من القيود المؤسساتية أو التأديبية.

مسؤوليات الأكاديميين

تحمل الحرية الأكاديمية في طياتها مسئولية ناجمة عنها بالضرورة يتحملها الأكاديمين وهى مسئولية مقاومة التأثيرات المشوهة لأبحاثهم ومناهجهم، وتجاوز الشراكة والتحامل، والدعم الفكري للنقاش الإيجابي المفتوح داخل قاعات الدرس، والالتزام بأعلى المعايير والمستويات الممكنة للاستفسار والتدريس العلمي. ومن الواجبات الأكاديمية لهيئة التدريس توسيع تعليم الطلاب وتجنب القيام بأية أفعال أو التصريح بأية أقوال من شأنها الحد من حرية الطلاب في الاستفسار والتعبير. ومن ثم الوصول بالقيم الأساسية للجامعة إلى نقطة التوازن.

حقوق الجامعات

على المؤسسات الأكاديمية مسئولية حماية الأساتذة والطلاب العاملون بها من الضغط غير المقبول، سواء السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الأيديولوجي. وعلى الجامعات كذلك أن تكفل وتحفز حرية الاستفسار و النقاش والتعليم والبحث والنشر، وعليهم كذلك حماية جميع أعضاء الطاقم الأكاديمي والطلاب من التأثيرات الداخلية والخارجية التي من شأنها الحد من ممارسة تلك الحرية.

المعني التنفيذي للحرية الأكاديمية

على الرغم من أن كل واقع وطني يشكل بلاشك رؤيته الخاصة لمعني وممارسة الحرية الأكاديمية، إلا أنه كحد أدني يجب أن يخضع أداء أعضاء هيئة التدريس وتعبيرهم داخل قاعات الدرس وفي السياقات التعليمية الأخرى للتقدير المهني لزملاؤهم العلماء وحدهم.

على الجامعة أن تدافع دائما عن حرية الرأى والتعبير داخل وخارج قاعات الدرس دونما اعتبار لزيوع أو الموافقة التي تحظى بها الآراء المعبر عنها. من الأهمية بمكان أن تقوم كل جامعة بوضع الإرشادات العامة والإجراءات التي تخاطب وتكفل الحرية الأكاديمية. ويجب أن تتسم العلاقات والمسئوليات ووسائل المحاسبة داخل كيانات المؤسسات (الطلاب، وهيئة التدريس، والإداريين والأمناء والمجلس التنظيمي) بما يضمن تسهيل التنفيذ الكامل لتلك الإرشادات العامة والإجراءات وكذلك بما يضمن احترامها.

ورغم وجود إمكانية تهديد الحرية الأكاديمية من قبل العديد من المصادر من خارج وداخل المجتمع الأكاديمي، إلا أنه ثبت تاريخيا، أن مثل تلك التهديدات تأتي من الدولة التي غالبا ما تتعارض قوتها السياسية ومواقفها التنظيمية مع حاجة الجامعة للاستقلال المؤسسي.

وكذلك فإنه من شأن الممارسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني إن يكونوا مصدر تهديد لتأسيس الحرية الأكاديمية. على سبيل المثال، الضغوط والمصالح الناجمة عن المبادرات والاتحادات المالية، أو الهجوم من قبل مجموعات خارجية على حرية الأكاديمية (وخاصة، وليس على سبيل الحصر، أثناء الأزمات الوطنية) من شأنها أن تهدد جديا استقلال الجامعات والحرية الأكاديمية لهيئات تدريسهم وطلابهم. لذا يجب أن تتحرر الجامعات من الالتزام تجاه المجموعات الخارجية، ونوادي الخريجين، والقادة المحليين، والإعلام أو أى عناصر أخرى من عناصر المجتمع المدني الذين من المحتمل أن يسعوا نحو قمع وجهات النظر المعبر عنها في المؤسسات الأكاديمية أو أن يكونوا موضوع وجهات النظر التي يعبر عنها أعضاء هيئة التدريس والطلبة والمتحدثون العموميون و آخرون ممن يشاركون في الأنشطة الأكاديمية والتعليمية للجامعات.

ومن شأن سلطات الجامعة نفسها، من خلال الخضوع للضغط السياسي أو الإرادة العامة، أن يضعفوا من مناخ الحرية الأكاديمية داخل الجامعة بالتضييق على المعارضة الطلابية أو الأراء غير الزائعة ذات الطابع الأكاديمي المثير للجدل. بالإضافة إلى التهديد الذي تشكله النظم التأديبية في بعض المجالات الأكاديمية على المناخ الجامعي للحوار الحر عن طريق إخضاع الأساتذة أو العلماء للالتزام بحدود معينة في الفكر. ومن بين أهم الآليات التي تقوم بضمان الالتزام بالمعايير العلمية وحماية الحرية الأكاديمية "أنظمة مراجعة الأقران" peer-review systems والتي تحدد كيفية تمويل الأبحاث وكيفية الإضطلاع بها وكيفية نشر نتائجها. إلا أن أنظمة مراجعة الأقران لا يجب في جميع الأحوال أن يسمح لها بالتحول إلى وسائل لفرض الخنوع لتسييد وجهات نظر أو للتعتيم حول الرؤي التي تجنح عن الأفكار الراسخة والمتفق عليها.

ونحن نأمل أن تسهم المبادئ المذكورة في تلك الوثيقة في إيضاح طبيعة الحرية الأكاديمية، وأن تكرر التأكيد على قيمتها،وتقوي من ممارستها وأن تسهم في مقاومة التهديدات التي تواجهها الحرية الأكاديمية للعلماء والجامعات في جميع أنحاء العالم.